الإفخارستيا:
الكلمة تعني الشكر. وهكذا فعل السيد المسيح أن أخذ خبزاً وشكر وأخذ كأساً وشكر (لو19:22+ مت27:26)
المسيح كان يشكر الآب كرأس للكنيسة على الحياة التي أعطاها الله للإنسان، ولما فقد الإنسان الحياة، تجسد المسيح وأعطانا جسده نأكله فنحيا للأبد. فالشكر هنا هو على الحياة التي أعطاها الله لنا وأعادها لنا بعد أن فقدناها. لذلك يصلي الكاهن في القداس (قدوس قدوس قدوس.. الذي جبلنا وخلقنا ووضعنا في فردوس النعيم. وعندما خالفنا وصيتك بغواية الحية سقطنا من الحياة الأبدية.. فلم تتركنا.. وفي آخر الأيام ظهرت لنا نحن الجلوس ..) [ثم تأتي صلوات التقديس ويتم تحول الخبز إلى جسد والخمر إلى دم] ويصلي الكاهن (يُعطى لغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه) فالله أعاد لنا الحياة الأبدية بفداء إبنه وبهذا السر.
والشكر نجده ليس فقط في كلمة وشكر التي قالها السيد عند تأسيس السر، بل بعد تأسيس السر "سبح الرب مع تلاميذه" (مت30:26)
والكنيسة بنفس هذا المفهوم:
1) تسبح تسابيح كثيرة قبل صلاة رفع بخور باكر ورفع بخور عشية (يصليها الشعب)
2) تسبح بالمزمور الخمسين وغيره أثناء التوزيع (يصليها الشعب)
3) تردد صلاة الشكر مع صلوات الأجبية في عشية وباكر ووقت القداس (يصليها الشعب)
4) تردد صلاة الشكر في بداية صلاة رفع بخور العشية ورفع بخور باكر (يصليها الكاهن)
5) تصلى صلاة الشكر بعد تقديم الحمل (يصليها الكاهن)
6) يبدأ القداس بعد صلاة الصلح بقول الكاهن "فلنشكر الرب" (يصليها الكاهن)
7) تردد الكنيسة بواسطة الكاهن نفس كلمات السيد الرب على الخبز وعلى الخمر وشكر وبارك وقدس.
نضيف إلى ذلك أن الإنسان حين يود أن يشكر إنسان آخر يقدم له هدية. وماذا نقدم لله. فالله هو الذي أعطانا كل شئ، ونحن إذا أردنا أن نقدم شيئاً لله فنحن نقدم له مما سبق وأعطانا (1أي14:29) "لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك". وأعظم ما قدمه لنا الله هو عطية الإفخارستيا "جسد ودم ابنه" فنحن في القداس نقدم لله أعظم ما يمكن تقديمه كشكر على كل ما أعطانا، نقدم ونرفع لله هذه الصعيدة التي هي جسد ودم إبنه.
ورأينا السيد الرب عند تأسيس السر يشكر أولاً وبعد تأسيس السر يسبح مع تلاميذه [كان اليهود بعد الأكل من الفصح يسبحون بمزامير تشير لفداء المسيح]. وكان شكر الرب يسوع وتسبيحه (هو كرأس للكنيسة يقود التلاميذ للتسبيح كما يقود الرأس الإنساني أعضاء الجسم) علامة فرحه الناشئ عن محبته للبشرية التي سيعيد لها الحياة بفدائه وبواسطة هذا السر، لذلك يقول الكتاب "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى، فحين كان العشاء" (يو1:13،2)
وهذا السر يمكن تشبيهه بمريض مصاب بمرض في الدم يؤدي به للموت، ولهذا يحتاج لعملية نقل دم مستمر. ونقل الدم والدم حياة، هي عملية نقل حياة. وبنفس المفهوم نحن وُلدنا من المعمودية ولادة جديدة لكن حياتنا في العالم تصيبنا بمرض الخطية القاتل فالخطية= موت. لذلك نحن نحتاج للتناول لنقل حياة من المسيح لنا نحن الموتي روحياً بالخطية.
- الله خلق الإنسان للخلود، فهو كان يمكنه أن يأكل من شجرة الحياة، لكنه أكل من شجرة معرفة الخير والشر، وبسبب هذه الخطية مات. ولكي يستعيد الحياة صار اللوغوس إنساناً وإتحد بجسد قابل للموت وأعطى جسده هذا مناعة ضد الفساد فصار جسداً محيياً.
- وبالفداء غفرت الخطايا.
- وبالإفخارستيا إمتزج بأجسادنا بواسطة جسده المقدس ودمه الكريم.
وهكذا صارت لنا شركة جسد المسيح ودمه حياة وقداسة.
حياة * من يأكلني يحيا بي (يو57:6)
قداسة * عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد (1تي16:3)
ولأنه أعطانا حياته قال بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح" (في21:1)
ولأن المسيح فينا بحياته فإننا نقوم بالضرورة. صارت حياته فينا كبذرة خلود. فكل من يمتنع عن هذا السر يمنع نفسه عن الحياة الأبدية وعن التقوى والقداسة. وعلينا أن لا نتساءل كاليهود "كيف يستطيع هذا أن يعطينا جسده لنأكل" (يو52:6)
- ومن يتناول يثبت في المسيح والمسيح يثبت فيه (يو56:6). وبذلك فكل منا يتحد بالمسيح ويثبت فيه فنكون كلنا متحدين بعضنا ببعض "جسد واحد" (أف4:4)
- وجسد المسيح محيي لأنه متحد بلاهوته. فالحياة التي في المسيح حين تتلامس معنا تعطينا حياة. كما أن النار إذا تلامست مع ماء تجعله يسخن. وهكذا أعطى السيد الحياة للموتى بكلمته وباللمس. وبلعابه (جسده) شفى أصم وأعقد (مر32:7-35).
- والله حتى لا نجزع إذ نأكل لحماً ونشرب دماً، أبقى على الشكل الظاهري للخبز والخمر.
رموز سر الإفخارستيا في العهد القديم
1) ملكي صادق: وهذا كان كاهناً لله العلي وأخرج خبزاً وخمراً.. (تك18:14) وكهنوت المسيح كان على هذا الطقس (مز4:110). وليس على الطقس الهاروني الذي يقدم ذبائح حيوانية. وذبيحة هرون الدموية كانت ترمز لذبيحة الصليب، وتقدمة ملكي صادق هي غير دموية تشير لذبيحة الإفخارستيا. وملكي صادق لم يكن له نسل وكهنة تسلموا منه بخلاف هرون الذي مات وتسلم أولاده بعده وذلك إشارة لأن كهنوت المسيح باقي للأبد. فذبيحة المسيح قدمت مرة واحدة ولن يصلب المسيح ثانية ولكن الإفخارستيا هي ذبيحة لا ينقطع تقديمها للأبد.
2) (إش19:19-21): "في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر.. ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة". ها نحن أمام ذبيحة ومذبح في مصر وهما ليسا ذبائح ومذبح يهوديين. فبحكم الشريعة لا يمكن إقامة مذبح للرب خارج أورشليم (تث5:12،11،13،14،18). إذاً هو المذبح المسيحي والذبيحة هي الإفخارستيا.
3) (ملا11:1): "لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها إسمي عظيم بين الأمم وفي كل مكان يُقرًّب لإسمي بخور وتقدمة طاهرة" والتقدمة سيقدمها الأمم وفي كل مكان، إذاً هي ليست تقدمة يهودية بل الإفخارستيا.
4) ولذلك سيكون هناك كهنة من بين الأمم ليقدموا هذه التقدمة (إش20:66،21). ويقول الرب "لأن بيتي بيت الصلوة يُدعى لكل الشعوب" (إش7:56) وإرمياء أطلق على هذا إسم "العهد الجديد" (إر31:31)
5) (إر17:33،18+ 20،21): "لأنه هكذا قال الرب. لا ينقطع لداود (المقصود المسيح ابن داود) إنسان يجلس على كرسي بيت إسرائيل. ولا ينقطع للكهنة اللاويين إنسان من أمامي يصعد محرقة ويحرق تقدمة ويهيئ ذبيحة كل الأيام" هذه لا تنطبق على اليهود الذين توقفت ذبائحهم بعد خراب الهيكل سنة 70م. إذاً هذه النبوة عن كنيسة المسيح.
6) من رموز الإفخارستيا المن الذي نزل من السماء وخبز الوجوه، لكن من أكل من هذا مات أما من يأكل من جسد المسيح فيحيا للأبد.
7) (أم1:9-5): الحكمة (المسيح أقنوم الحكمة) (1كو24:1) بنت بيتها (الكنيسة). نحتت أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحها مزجت خمرها (الإفخارستيا) أيضاً رتبت مائدتها.
(مز5:23): "ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقيَّ" فقبل المسيح كان الشياطين مضايقو الإنسان يعدون له موائد خاطئة تشبع غرائزه وتقتله، أما المسيح فاعد لنا مائدة مشبعة تعطينا حياة أبدية.
9) كانت كل الذبائح في العهد القديم (الفصح في سفر الخروج والمحرقة والخطية والإثم والسلامة وتقدمة الدقيق في سفر اللاويين والبقرة الحمراء في سفر العدد) تشير لذبيحة الصليب. كل ذبيحة منها تشير لجانب من جوانب ذبيحة الصليب. لكن ذبيحة السلامة بالذات تشير لذبيحة الإفخارستيا فالكل كان يأكل منها (راجع تفسير الذبائح في أماكنها بكل سفر)
10) (خر11:24): "فرأوا الله وأكلوا وشربوا" كما أكل التلاميذ وشربوا أمام المسيح.