خادم الملك ونجدته
كانت طلبة الرجل الإسراع: «أنزل قبل أن يموت ابني» وكان رد المسيح الهدوء، إذ أنه قال للرجل: «اذهب ابنك حي» كان موقف الرجل موقف القلق، وكان موقف المسيح موقف اليقين والاطمئنان، نحن نخشى في العادة دورة الزمن، وهو يضع بقدرته هذه الدورة بين يديه، نحن نقول ما قالته الأختان عندما تصورتا أن الزمن تغلب: «لو كنت ههنا لم يمت أخي» (يو 11 : 21 و32) أما هو فيجيب: «ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله» (يو 11: 40).. كان الأمير إدوار الأسود قائدًا للجيش في المعركة، وكان أبوه الملك يقود - في المؤخرة - جيشًا آخر، وحدث أن المعمعة اشتدت على الابن، فأرسل يستنجد بأبيه، ولكن الأب تأخر في إرسال المدد، فأرسل الشاب رسولاً ثانية وثالثة وأخيرًا أرسل أبوه إليه يقول: «ذكروا ابني أنني لست قائدًا عديم الخبرة حتى لا أعرف واجبي في إرسال النجدة في أوانها، وذكروه أني لست أبًا غير مكترث بأبنه حتى لا أسعفه!! فإذا صح أن إنسانًا يقول لآخر مثل هذا القول، فإنه أصح دائمًا بالنسبة ليسوع المسيح سيدنا ومخلصنا، إذ أنه يعرف ما نحتاج إليه، وكيف يواجه هذا الاحتياج على أكمل وأجمل الأوضاع وأنسبها!! وعلينا أن نذكر أن البشر قد يخطئون التوقيت، وأنهم قد يصلون متأخرين، للمعونة والمساعدة، أما هو فهيهات أن يفعل ذلك، فإن يحكم كل شيء بالدقة المتناهية: «أليس عصفوران يباعان بفلس، وواحد منها لا يسقط إلى الأرض بدون أبيكم، وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة، فلا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة» ( مت 10 : 29 –31).
على أن الأمر أكثر من ذلك، فالرجل يتصور ضرورة ذهاب المسيح بأقصى سرعة إلى كفر ناحوم، قبل أن يموت ابنه، «ياسيد أنزل قبل أن يموت ابني» أما المسيح فإنه يملك من الاطمئنان والقوة بحيث يقول للرجل : «أذهب ابنك حي» وبين «إنزل» و«إذهب» مسافة طويلة نفسيًا وروحيًا تبين الفرق الواسع بين قصور الفكر البشري، وكمال السلطان الإلهي، وهنا نعود مرة أخرى لنرى ضعف الإيمان، وعلى وجه الخصوص إذ قارناه بإيمان قائد المئة الذي أراد المسيح أن يذهب معه، ولكنه قال للسيد «لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي، قل كلمة فقط فيبرأ غلامي» ( مت 8 :
لقد كان على خادم الملك أن يعلم أن المسيح لا يسيطر على الزمن فحسب بل على المكان أيضًا، وهو يعمل تاريخياً وجغرافيًا وفق مشيئته الصالحة، لا يخرج فيها الزمان أو المكان عن سلطانه، وأنه كما في قانا الجليل كذلك هو في كفر ناحوم سواء بسواء، وأنه في الأرض أو السموات هو القادر على كل شيء، وبأمره يكون الكل، وأنه القريب والبعيد معًا، وأن ذراعه تصل إلينا في كل مكان ومجال، هذا اليقين الذي بدأ من كلام المسيح ترك انطباعه العميق في خادم الملك، فهو لا يلح قط على السيد بالذهاب، بل قد امتلأ سكينة واطمئنانًا، فهو لا يسرع بالذهاب مسابقًا الريح كما يقولون، بل لا يذهب إلى كفر ناحوم إلا في اليوم التالي، وعندما يخبره عبيده عند استقبالهم له، عن شفاء ابنه، يسأل فقط عن الساعة التي تركته الحمي فيها، ليربط بينها وبين التوقيت الزمني للقائه بالمسيح، ولعل هذا يقف بنا وقفة صحيحة أمام مفهوم الصلاة والجواب عليها، قال السيد المسيح: «وأنا أقول لكم أسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم» (لو 11 : 9) ... كان مستر مودي يفرق بين استجابة الصلاة ، وبين المتفلسفين الذين تتلخص فلسفتهم في أن الصلاة تمرين صحي روحي لأنها تعلمنا الخضوع لله، لأن الله لا يتغير قصده بالنسبة لنا، وأننا لن نحصل منه على شيء مهما طلبنا، ولكن لا بأس، فإنه تمرين صحي، فالأم الذي يموت ابنها، ويعرف آخرون ذلك، ومع ذلك يقولون للأم أن تصلي لأن هذا يفيد حالتها النفسية، أو لنفرض أننا في قلب الشتاء، وقد هبطت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، وسقط أحدهم في الثلج لمدة أربع وعشرين ساعة ووصل إلى بيتي - كما يقول مستر مودي - في نصف الليل وهو يدق الجرس وأنه أتجه إلى النافذة وأقول من هناك!!؟ أنا يا مستر مودي.. لقد كنت لمدة أربع وعشرين ساعة على شاطيء جليدي وأنا الآن أموت فهلا ساعدتني؟ وأنا أجيب : أنا عندي قانونًا محددًا هو أن لا أفتح بابي إلا في الصباح، ولكنك تستطيع أن تستمر قارعًا على الباب، فإن ذلك يعطيك تمرينًا صحيحًا، إن هذا مثل جميل على الكيفية التي يريدنا البعض أن نفهم بها الصلاة ، ولكنها فلسفة لا نؤمن بها!!
إن المسيح قال اسألوا تعطوا!! جاءني جندي ضخم الجثة يصرخ كما لو أنه أصيب بخيال، وقال لي اقرأ.. كان خطابًا من أخته تخبره أنها في كل يوم عند غروب الشمس كانت تجثو على ركبتها وتصلي : «اللهم احفظ أخي ونجه» وقال الجندي: لقد حاربت في العديد من المعارك وكنت أمام فوهة المدفع دون أن أضطرب، لم أضطرب قط قدر أضطرابي عند قراءتي لخطاب أختي» إن الجندي نجا بفضل صلوات أخته على بعد ستمائة ميل من المكان، إن الصلاة ليست إيحاء نفسيًا يروض المتعب أو يسكنه عن آلامه، بل هي في الحقيقة كما قال المرنم في مطلع المزمور المائة والعشرين «إلى الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي» وما أكثر الذين اختبروا جواب الله على صلواتهم ... قال أحدهم: «وصل ابني الأكبر إلى آخر نسمة، وقال الطبيب إنه لن يعود إلى وعيه، وإذ ذاك أرسلوا إلى فوجدت الولد ممددًا في حجرة جدته، وكان كهيكل عظمي» صليت بحرارة إلى الله لكي يحفظ حياته، وعقب الصلاة قمت من جثوي وقلت لزوجتي: لا داعي للانزعاج من أجل الصبي فقد حقق الله لي أنه سيشفيه!! وفي الصباح استيقظ الولد وهو في حالة جيدة، ولم تظهر عليه أي علامة من علامات التعب، وهو الآن شاب في ملء القوة والعافية!! ... وعظ أحد خدام الله على مدى أسبوع كامل عدة مواعظ تحت عنوان : «هل انقضت أيام المعجزات» وقد التفت حوله مجموعة من السيدات في غرفة جانبية وقلن له: انهن - نتيجة اقتناع حقيقي - قد تعاهدن على الصلاة من أجل أخت في مستشفى الأمراض العقلية قطع الأطباء الأمل في شفائها، وهي أخت ذات أهمية كبيرة لكنيستها، وهن لذلك لن يكففن عن الصلاة من أجلها إلى أن تشفى» وفي نفس ذلك الأسبوع عاد إليها عقلها، وقال الطبيب إنه لا يستطيع أن يجد تعليلاً لذلك!! ... مثل آخر عن شاب يقول «جاءتني البرقية بأن أختى التي تقيم على مسافة 500 ميل منى ستجري لها عملية جراحية خطيرة وأن الأمل في نجاح العملية لا يزيد عن واحد في المائة وصليت لله من أجلها ثلاث ساعات متوالية وقمت من صلاتي وكلي يقين أنها ستعيش، وفي اليوم التالي دعيت إلى مكالمة تليفونية وقال العامل: «إنها إخطار بوفاة، ولكني رفضت أن أصدق ذلك كانوا يطلبون مني أن أحضر في القطار التالي فقد تحسنت الحالة وأختي تطلب أن تراني، وكتبت أمي لي كتابًا تقول إنه في الساعة الخامسة والنصف من اليوم الذي صليت فيه فتحت أختي عينيها، وقالت: أماه لقد صلي أخي من أجلي والله أخبره أني سأشفى ثم غابت عن الوعي. وقال الطبيب: «إن حديثها نوع من هذيان الحمى، كنا ننتظر طوال الليل أنها ستموت بين لحظة وأخرى، وفي الساعة السادسة صباحًا فتحت عينيها مرة أخرى، وطلبت ماء ثم قالت لهم: «اكتبوا إلى أخي أني شفيت، ومرت سنوات طويلة بعد ذلك، والأخت في كامل الصحة والعافية!!.
خادم الملك ومكافأة المسيح له
لم يذهب معه المسيح إلى بيته، لكنه هو ذهب مع المسيح بعد ذلك إذ تبعه هو وبيته، وصاروا من المؤمنين بالسيد فإذا كان هو خوزي وكيل هيرودس، وإذا كانت امرأته هي يونا، أو إذا كان أحدًا آخر، فإن النتيجة واحدة، وهذا ما ينبغي أن نركز عليه دائمًا في الحديث عن معجزات المسيح، وعجائبه، إذ أن الأعجوبة لا ينبغي أن تكون قط نشوة عاطفية يسكر بها الإنسان لحظة من الزمان ثم تذهب مع الأيام، إن المعجزة ليست في حد ذاتها غاية، بل هي البذرة التي تزرع في تربة الحياة الدينية، حتى تؤتي ثمارها الطيبة، إن قصة خادم الملك تذكرنا بقصة نعمان السرياني، وكيف كان هدف الله ألا يخلص نعمان من برص الجسد فحسب بل برص الروح أيضًا قبل وبعد كل شيء!! وقد أدرك نعمان هذه الحقيقة، فلم يعد يتعبد إلا لإله إسرائيل، وكان يعتذر عن دخوله مع الملك إلى بيت رمون حيث يتعبد الملك هناك، وكانت تلك مشكلته الحقيقية بعد الإيمان! وأنا لا أعلم ما هي المشكلة أو المشاكل التي كانت تواجه خادم الملك بعد الإيمان بالمسيح، لكني أعلم بكل يقين، أنه تحول إلى خادم لملك أعظم وأسمى وأجل، فأصبح خادمًا للسيد ملك الملوك ورب الأرباب، وأكثر من ذلك لم يتعبد وحده، بل آمن هو وبيته كله، وهو يهتف هتاف يشوع: «أما أنا وبيتي فنعبد الرب» (يش 24 : 15).
وأنت تسير في موكب الأجيال، ركز نظرك فقط على العلامة التي تربطك بالسيد والإيمان العظيم الذي يعطيك أن تتمتع به، فالإيمان في حد ذاته معجزة المعجزات التي يلزم أن تنفجر في حياتك أو بيتك على حد سواء لتكون بحق «خادم الملك» الذي وحده يستحق كل سجود وإكرام وشكر وتعبد من الآن وإلى أبد الدهور آمين فآمين